Saturday, February 22, 2014

ذاكرة ألف حياة خلت


Lamia and the Soldier, John William Waterhouse
عندما استلقى فى المساء تجتمع كل ذكرياتنا معًا حول سريرى كفراشات تتجمع حول
 النار،
أذكر أول مرة رأيتك فيها، كنا عشيرة واحدة وحيدة والعالم خال من حولنا، كل فضاء
 الأرض مباح ننتقل بحرية نقطف من كل ثمار الأرض أطعمك ثمار بكر لم يتذوقها أحد
 من قبل فتصفى لى الطعم الأول وأنا أعطي الأشياء الأسماء، تجولنا فى أرض لم تنبت
 فيها بذور الحقد السوداء،  وبنينا كوخنا على شاطىء النهر أرهقنا كل ليالى الصيف
 بسهر لا يعرف معنى النوم، وبحبٍ لا يعرف طعم الراحة، وعمرنا القرية بالأولاد
وبالاحفاد وصنعنا عشيرتنا .
 من منا رحل قبل الأخر؟ لا أذكر .
لكن أتذكر أنى كنت أطوف بمصر وأشد مئزرى الكتانى على وسطى، ورأيتك بين حقول
 القمح الذهبية تحملين بين يديك زهرة لوتس بيضاء وأشرت إليك .... عرفتينى وقضينا
 اليوم على ضفة نهر النيل، وحكيت لى عن كل سنين بعادى، وحكيت لك عن كل
 سنين بعادى.
 هذه المره أذكر من رحل.... أنت، كنت أنت، قبل الفجر رحلت، سحبت جدائل شعرك
 من بين أصابعى وذهبت،  فتحت عينى ولم أجدك، بحث عنك..... ووجدتك بين
 الكهنة فى أبهى ثياب، وأشرت لك فنظرت لى من بين خطوط الكحل ثم بهدوء عروس
 خجول عانقت النهر، وسمعت التبريكات والناس تصيح بأن الفيضان سيأتى.
 بحثت عنك فى كل المحاصيل التى شربت من ماء النيل لعلى أجدك فرأيت شفاك فى
 العنب المهدى للمعبد، ورأيت جدائلك فى سنابل قمح يخبز فى عيد الفيضان.
تلك المرة لم أجدك.... أنتِ وجدتينى، أرسلت لى مرسال القصر، وذهبت إليك، لم نضع
 اليوم فى لوم أو عتاب وقضينا كل ليالينا المسروقة فى ليلتنا هذه، وتركتك عند الفجر
 وذهبت لأحضر رماناً،
 تذكرين الرمان؟!! عندما تذوقتيه لأول مره وقلت يشبه طعم الحب،
 وعدت ولم أجدك طفت بأبواب القصر منعنى الحرس من الدخول وسمعت عويل نساء
 القصر، أنتحرت مليكتنا قبلت الأفعى، تقبيل الافعى كان هاجسك تلك الليله، قالوا
 وجدتك الملكة غارقة فى دموعك تبكين الفراق ظننت أنى رحلت، أمسكت الأفعى
 ونظرت لها وحصلت على القبلة الأولى لمعت عيناها وتبادلت القبلات مع الأفعى،
 كتب التاريخ القصة وأغفل ذكرك، هى قصتنا وليست قصة كليوباترا.
أذكر أنى أهديتك سارى موشى بخيوط فضية وحلى ذهبية، وقضينا بعد عصر قصير
 فى حدائق تاج محل، أذكر شرفتنا فى بابل و مساءات صيفية فى حدائقها، أذكر
 شاطىء أزرق أزورى وسرير شبكى يتدلى بين نخيل الجوز وتيجان زهور زاهية، أذكر
 لحظات سرقناها داخل أسوار المدينة المحرمة بعيداً عن أعين حرس الأمبراطور،
 ونزهات بمحاذاة سور الصين، أذكر أمسيات البندقية ومراكب جندول تتهادى بين
 الأزقة،
تختلط الصور على وأراك مرة فى أزياء فيكتورية، ومرات فى ثياب عروس من روما،
 وتنورة راقصة غجرية، وكيمونو جيشا، وخرز أميرة إفريقية، ومحاربة أمازونية.
 يرهقنى تداعى الصور، أغفو وأنا أرقب فراشاتنا تحترق، تتحول لدخان يتراكم فى سقف
 الحجرة ثم تعود من جديد فى الليلة التالية فراشات تتراقص حول النار.