Friday, April 24, 2015

على طاولة الغياب

Digital Art by 3mmi
أنا رجل محظوظ يجيد الطهى .
النساء يفضلن الرجل الذى يجيد صنع الطعام الشهى وأنا أطهو الأرز باللبن فى منتصف الليل.
كل النساء اللائى عرفتهن يأكلون طعامى بنهم.
أطفالى يتحلقون حولى يلعقون أصابعى.
أنا رجل محظوظ يجيد الطهى ولكنى لم أتعلم صنع الحساء بعد.
أمى تجيد صنع الطعام الشهى.
أختى أيضًا تتقن فن إعداد الطعام وهى بالمناسبة بارعة جدًا فى الخبز.
أختى تخبز أصنافًا شهية،
ترممنى بالعجين.
كل صباح تستيقظ مبكرًا، تعد العجين وتخبز لى اطراف جديدة بدلًا عن أطرافى التى التهمها الأصدقاء.
تصنع لى يدًا جديدة تامة النضج.
تتفنن فى حشو أصابعى بالملبن،
أنا أطهو الطعام للأصدقاء وللغرباء،
النساء يتلذذن بحبات السمسم المتساقط من يدى فى أطباقهن.
أطفالى يلعقون السكر عن أصابعى ويقضمون أطرافها،
وأنا لا أكترث، أبحث فقط عن وصفة مثالية لإعداد الحساء.
أختى تجيد حبك الصوف بالأبرة.
لم ترمم أختى الثقوب فى جسدى بالصوف المحبوك.
الصوف يبلى، تأكله العثة ويترهل،
أختى ترمننى بالعجين لأصير ممتلىء وهش وطازج على الدوام.
أختى توقفت عن الخبز.
لم تعد ترممنى.
وأخاف أن أعتاد قضم أطراف أصابعى.
يداى لن تعود طازجة، وحتما سأتوقف عن الطهى.
ستفتقد النساء السمسم فى أطباقى وتنصرف عنى.
وسأخفى يداى فى جيبى كيلا يقضمها الصغار.
سيتراكم الفطر داخلى وأنا لا أجيد صنع حساء الفطر بعد.
لم يعد لدى سوى قلبى.
أتذكر أنى أكل قلبى كوجبة رئيسية منذ توقفت أختى عن الخبز.
أبحث عن أخر قطعة لأصنع منها الحساء.
الحساء يحترق.
يخبرنى الطاه أن أنتبه فى المرة القادمة
"إن أحرقت قلبك لن تجد ما تأكله، لا أحد يأبه لرائحة دخان قلبك المحترق ،ولا حتى مشعلوا الحرائق"
لم تعد أختى ترممنى وأنا لا أجيد الخبز وقريبًا ستختفى أطرافى وسأمتلىء بالثقوب،

 وكل ما يشغلنى هو أنى لا أجيد طهو الحساء!!

Friday, April 17, 2015

على جدار القلب

Agostino Arrivabene
فوضوية الشعر تجلس،
تحدق فى عينى الناظر كلوحة من عصر النهضة،
تخمش الجدار الأحمر بأظافرها بثبات،
هو يسير على طريق طويلة يلاحق ظله الذى يستطيل،
تؤرقة استطالة ظله ويرسم فى رأسه لوحة لها ولشعرها الفوضى،
تأبى اللوحة أن تكتمل، التفاصيل كلها تطابقها ولكن اللوحة لا تشبهها ،
يمحو التفاصيل وأطراف ظله المستطيل،
تسارع وتيرة خمشها للجدار،
ويتلهى عنها باقتطاع أطراف ظله،
الجدار الأحمر شفيف يتهتك ولا ينقطع،
يتشاغل أكثر بلوحته،
ييأس من أن تشبهها اللوحة ويقرر أن يرسمها لوحة بيضاء،
تستبدل أظافرها بأزميل تدق به الجدار بعنف دقات مفاجئة صاخبة،
يدير وجهه للظل يهذبه،
الأبيض مؤلم للغاية،
والجدار لا ينقطع،
والدق يتحول لنوبات جنونية موجعة،
الجدار يتشكل ببطء، بسرعة ، بعشوائية.
يفقد شكله المميز
ينبعج أكثر بما يلائم جدار أوشك على السقوط.
يشتكى الظل ويهدد بالعودة مستطيلًا كما كان.
الجدار يشبه الخيمة، وضوضاء الدق تخفت وتعلو.
الجدار يشبه أطلال قلعة لم تكن.
يتشاغل عن الضوضاء وظله باللوحة فى رأسة،
اللوحة لا تكتمل، وشعرها يغدو أكثر فوضوية،
يتشتت بين اللوحة والدق وظله،
يدور كسفينة ضلت الطريق إلى الشاطىء بلا بوصلة تشير إلى شمال الجغرافى،
وشعرها فوضوى كليل  بلا نجمة تشير إلى شمال القلب،
يصمت الدق للحظة ويختفى ظله فى العتمة ويختفى الطريق ،
يسكن كل شيىء،
تسبدل أزميلها بمطرقة،
يخبره ظله أن لا فائدة من الجلوس تحت جدار أوشك على السقوط،
تدق أكثر،
ينظر إلى ظله المهذب،
ظله مبتور، لا يشبهه،
هو مبتور يشبه ظله،
يتوقف،
يصغى للدق،
تتوقف عن الطرق،
تخفض مطرقتها،
يهادن ظله المبتور،
ويجلسا سويًا، ظل كان مستطيل ورجل كان مكتمل كواحد صحيح،

 تحت جدارأحمر كان على شكل قلب.

Saturday, April 4, 2015

مدن رمادية مأهولة بالسكان

Cast Shadows - Émile Friant

المدينة البعيدة سكانها بائسون،

المدينة نفسها بائسة،

جدرانها العالية تحجب كل شيىء ..... حتى الضوء والدفء.

المدينة البعيدة باردة ومعتمة وطرقها حائرة  ملتوية كنهر ضل الطريق من منبعه إلى المصب.

قاطنوا المدينة البعيدة لا يتملكون بيوتهم، يقال أن سعر الأكر هناك باهظ حد الجنون،
قطعة من روحك... يقولون،

 وسلام نفسك كله حتى أخر غفوة هانئة.

لا أحد يرغب أن يتخلى طوعًا عن سلام نفسه ولذلك هم فقط مستأجرون.

كراية المنازل فى المدينة البعيدة إما أن تدفع من بسماتك أو تحمل عن المدينة قليلًا من ضبابها ودخانها وعتمتها،

 والمدينة تمتلك الكثير..... يقولون أنها تمتلك أكبر احتياطى لللكأبة فى العالم.

قوانين المدينة البعيدة تقضى على قاطنيها أن تذبل قلوبهم إن لم يستخدموها، وأن يفقدوا ليونة عضلات الفك حال عدم الابتسام،

جباة المدينة صارمون يدققون فى كل شيىء، تقاسيم الوجوه والاختلاجات والأفكار والضمائر والأحلام والنوايا،

 يفتشون الصمت ويذرعون العزلة ذهابا وإيابا بحثًا عن أية مشاعر خاضعة للضرائب.

وفى أول بادرة للسعادة والحب يطالبك جابى المدينة بأجرتك المتأخرة، وفاتورة العتمة التى توفرها المدينة لك.

قوانين المدينة البعيدة تقضى ألا تغلق أبوابك ونوافذك فى وجه العتمة، ومحاولات استجلاب الضوء جناية تهريب يعاقب عليها القانون.

ومع ذلك فالمدينة هادئة،

سكان المدينة تتساقط ملامحهم وتزاح بانتظام على جانبى الطريق،

يصابون بالهلع من فكرة الوقوع فى الحب، خشية أن يطالبهم جابى المدينة بسداد دين المدينة، وخشية أن يفقدوا حريتهم.

أتسائل"حريتهم" ؟

يخبرنى ساكن قديم همسًا أن سكان المدينة يقيِّمون الوحدة وأن العزلة سلعة رائجة،

وأنهم يتحملون كراية المدينة الباهظة لأن العالم خارج المدينة مبهج وغير أمن ولا يعترف بالصمت كفن، ولا بالعزلة كهواية مفضلة.

سكان المدينة البعيدة يرفضون القيود، ويعيشون فى مدينة محكمة ككفن مومياء.

-        ماذا تفعلون إن وقعتم فى الحب؟

= نقطع وعودًا لا نستطيع الوفاء بها، ونعد بتربيتات  شافية وضمات جابرة  للكسور تساعد على الالتئام،

نقدم "شيكات" مشاعر باهظة بلا أرصدة،

وعندما يحل ميعاد استحقاقها لا نقدم سوى أكف ملؤها خذلان.


نغادر المدينة، ونحمل نسخة مصغرة بداخلنا كإجراء احترازى.