أنا أدوّن لنفسي. تدفعني إلى التدوين رغبةٌ في البوح المقنّع أو المنمّق، في التواجدِ "افتراضيًا" معي ومع أشيائي الـ"افتراضية"، تسجيلِ بعضٍ من شطحاتي وانحساراتي، اختلاقِ الأدلة على أنهم -ربما- كانوا، ملامسةِ أطراف الحكي دون التورّط تمامًا، رغبةٌ؛ بل احتياجٌ إلى التدوين، فضلاً عن خجلي أن أردّ الكلمات إلى تيهها، بعد أن ظنتْ -من ضلالٍ- أنها قد اهتدت إلي.
وتقول أيضاً
أيًّا ما كانت نوعية المفردات التي تشغلني من بسيطة أو معقدة، أجدني لا أستطيع سوى أن أعبّر عنها بالطريقة الصعبة. حتى أنني أشبّه تلك العملية بقطّة ضعيفة يطاردها رجل ضخم الجثة، طويلاً، حتى إذا وجدها؛ انهال عليها ضربًا ولكمًا وتقطيعًا، ثمّ ألقاها خارجًا. فكذلك هي أفكاري حين تخرج على الورق؛ منهكة، مضرجة بالدماء".
يظن البعض أن الكتابة متنفس نهون به على أنفسنا ما يضطرم بداخلها. بيد أن الكتابة بالنسبة لي عبء يثقل كاهلي. تقتات عليّ كغيرها من الأشياء. تخرج مني و هي معجونة بجزءٍ من روحي. تخرج مني مختلطة بدمي. الكتابة نقمة. فعلٌ مشين. تضطرك أحيانًا أن تمارسه على الرغم منك. لا تهتم برغبتك مادامت هي راغبة فيك. أكره فيها ذلك. أكره أن يرغبني أحدهم و يجبرني عليه دون أن يهتم برغبتي فيه. أكره أن تقف فوق رأسي حتى تنالني. أقاتلها أحيانًا. أتمنّع. تلح إلحاحًا فظيع. أستجيب على الرغم مني. تخرج جيدة جدًا. فيثنيّ الآخرون عليّ. يثنون على جودتها دون أن يلاحظوا أن ما يثنون عليه هو جزءٌ مني انتزعته الكتابة مني في مرحلة المخاض. الكتابة من الكبائر التي أقترفها. لا أعتقد أني سأستطيع يومًا و عن طيب خاطر أن أحترفها و أداوم عليها. أنتظر أن أبرأ منها يومًا ما. أنتظر انتظار المجذوم الذي لا يُرجى شفاؤه و برغم ذلك لا يغادره الأمل.
يحدث كثيراً عندما تمر على العقل فكرة تبدو واعدة كموضوع تدويني، تبدأ هذه الفكرة في التعاظم، و تبدأ المكونات في التجمّع حتى تصبح الفكرة أكبر من أن تُكتب. و يحدث أيضاً أن تمر على العقل فكرة، غالباً أثناء سيري في طريق، أو عندما آوي إلى الفراش، و تبدأ هذه الفكرة في النضوج شيئاً فشيئاً حتى أكاد أتوقف عن السير لكتابتها أو النهوض من الفراش لتسجيلها، ثم تتلاشى هذه الفكرة كما يتلاشى عامود الدخان المتصاعد من عود بخور، و أقول لا بأس فليست أول ما يضيع و لا آخر ما سيذوب في الأفق. و يحدث كذلك أن تحدثني نفسي بأمر ما، و أتحرّق شوقاً لمشاركته مع قارئ أدّعي أنه هناك ينتظر ما أكتب ليقرأه، ثم أجدني شخصاً يكتب مثل ملايين الناس غيري، و لست أعلمهم و لا أفصحهم و لا أحلاهم حديثاً، فأكتفي بالقراءة!
وفى افتتاحية تدوينة شيرين عن كتابها الجديد تقول
إحساس غريب لما تلاقي كلام كتبته بقلم رصاص في كراسه قديمه بحروف مش واضحه و إنت لابس البيجامه و مادد رجليك في الشمس و بعدين رميته فــ درج و نسيته أو قعدت تتحايل على حد بيحبك إنه يقراه...و لما يقراه مجامله يقولك كلمة واحده (حلو)...أو يقولك (إنت بتكتب لمين؟ هو في حد هيقرى الكلام ده)...منشور في كتاب :)
الرغبة في الكتابة ، التي تبدو طوال الوقت جسرا للعبور من العالم وصخبه والتزاماته ، جسرا نحو النور المطلق والمحبة الخالصة .
الرغبة في الجلوس أمام صفحة بيضاء ، لمراقبة العالم والتهرب منه في ذات اللحظة .. لمعانقته والفرار بعيدا عنه قدر ما تسع طاقتي للعدو والبقاء في لحظة واحدة .
كتبت أنا عن الكتابة هوامش لم أنشرها بالمدونة
الجيد فى الأمر أنها قررت أن تعاودنى من جديد، وبعد أن توقفت لفترة ليست بالقصيرة لم تكن ترغب فى بالكلية، أشتقتها للغاية ولكنها أبت وتمنعت، حاولت معها مراراً ولكنها أدارت ظهرها وأظهرت لى وجهها الصامت بعدها عرفت أننى حقاً أعشقها.
عاودتنى ثانية أعلم أنها عاودتنى لأنها تراودنى طوال اليوم، فراشات الكتابة لا تتوقف عن الدوران برأسى ليست كل الفراشات قابلة للأمساك ليست كلها تليق بالسطور ولكن لا يهم المهم أنها عادت من جديد المهم أننى عدت من جديد.
عدت من جديد أكتب برأسى طوال الوقت أختزن جمل ليست ذات معنى قلبى يطرب لتشبيكات الحروف هذا هو ما يهم هذا يعنى حتماً أن الكتابة تتهيأ للمجيئ.
عندما أكتب أحب الكتابة بروحى أن تستودع كل قطعة تكتبها قطعة من روحك.
أنا أكتب بعد أن تخطت الساعة الثانية بعد منتصف الليل ما يؤرق نومى ليس أفتقادى لزوج الجوارب القطنية البيضاء ليدفئ قدماى فى ليلة باردة، ما يؤرق نومى أن الكتابة تراودنى.
ـــــــــــــــــــــــــ
أصعب ما نكتب هو ما نحاول كتابته عن الكتابه، وأسهل ما نكتب هو ما تمليه علينا الكتابة عن نفسها.
ندون لأنفسنا، ندون لنتواجد دون تورط، ندون لأننا نعتقد ان هناك من ينتظر ما نكتب، ندون لنخزن ما دوننا فى أدراجنا.
نكتب تبعاً لطقوسنا الخاصة، ننمق الحروف، نكتب مسترخيين مرتدين البيجاما ونمد أرجلنا فى الشمس، نتوقف عن السير لندون، نستيقظ من النوم لنكتب، ندع فراشات الكتابة تقوم بدورها أو نعبر بالطريقة الصعبة.
نحتاج للتدوين، نكره الكتابة، الكتابة عبء، تقتات علينا، نكتب لأن الكتابة نور...جسر نحو النور، لأنها نقمة، نكتب مرغمين لأن الكتابة تلح، الكتابة فعل مشين أو محبة مطلقة.
نستجدى الكتابة، نلاحقها، نلامسها، تتمنع، نتمنع، تقترب، نقاتلها، تتلاشى، نستجيب، تستجيب.
ننتظر الكتابة، ننتظر أن نبرأ منها.
تنتزع الكلمات أجزاء منا لتحيا على الورق تخرج مغموسة بأرواحنا مضرجة بالدماء نكره ذلك أو نحبه.
نكتب لنهرب من العالم ولنعرفه ولنعانقه.
نعشق الكتابة أو نكرهها أو نحتاجها.
نكتب لأنها لذتنا أو خطيئتنا أو ملاذنا.
ولكننا فى النهاية.......نستمر فى الكتابة.
على الهامش:
اجتهدوا لتترجموا وجدانكم كتابة، حتى ولو لم يقرأ أحد كتاباتكم _ أو فى الأسوأ حتى ولو قرأ أحدهم ما أردتم أن تبقوه سراً. أن نكتب ببساطة يساعدنا على نظم فكرنا، ومعرفة كل ما يحوطنا بوضوح. يمكن لورقة أو ريشة أن تجترح العجائب _ فتشفى الآلام _ وتحقق الأحلام وتعيد الأمل المفقود.
" للكلمات نفوذ "
باولو كويلو.