رسالة من لبنى
حديث الذاتية والموضوعية حديث عميق يا لبنى لن تكفى رسالة واحدة للخوض
فيه،
كما أنى لن أستطيع مجاراتك قطعا فى ذلك الحديث، ولا الاقتباس من عبد
العزيز بركة فلم يسعدنى حظى بالقراءة له بعد،
ولكن ربما أرى الموضوع من زاوية بسيطة.
طالما أنى أكتب فى مساحتى الشخصية فلست ملزم بالكتابة وفق معايير، بل
أكتب ما يجول بخاطرى مع اتفاقى معك أن الرسائل أشمل لصنوف الكتابة.
أما عن الحديث عن الناجين فأنا أولا أحسدك على قرارك.
تعرفين؟ بعد أن قرأت عن "المذبحة" حاولت مراجعة قائمة
أصدقائى، بالكاد حذفت أقل من العشرين، لا توجد مذبحة هنا.
ما منعنى من حذف أصدقاء القائمة لم يكن أي من الأسباب التى ذكرتِها،
بالرغم من أنى لم أبادل أحدهم حديث منذ عام أو أكثر وبعضهم لم أبادله
حديث على الأطلاق إلا أننى لم أتمكن من ضغط ذر الحذف.
أنا يا لبنى شخص ملعون بالارتباط بالأشخاص والأشياء.
تخيلى طفل يتورع عن إلقاء غلاف قطعة الحلوى التى صحبها معه من البيت
إلى المدرسة فى سلة المهملات بالمدرسة ويصحبه معه للبيت وفاء للحلوى التى سكنت
البيت يوما ربما، كيف سيتمكن عندما يكبر من حذف شخص حتى ولو كان افتراضى دون مبرر مقنع؟
ما أود قوله هو أنى لا أتعامل مع الأشياء بالمنطق فى معظم الأحوال.
أفكر أحيانا أنى مدين للشخص الذى حذفته بتبرير منطقى لفعلتى، ربما
الطرف الأخر لن يعنيه حذفى له أو إبقاؤه ولكنى أحمل عبء التفكير فى الاحتمالات.
هل أستطيع أخبار شخص أنى قيمت علاقتنا ووجدتها غير مجدية/ مبررة وأنى
أتخذ الأن قرار بإنهائها؟
ومع ذلك يثقلنى كثيرا عبء الأصدقاء الافتراضيين.
للمفارقة كنت أفكر طوال الأسبوع الماضى فى جدوى الاحتفاظ بأصدقاء
العالم الافتراضى، فلا هم أصدقاء ولا هم غرباء، فقط أتحمل عبء نفسى جراء صداقتنا
الأفتراضية.
لماذا يجب على الشعور بالأثارة الناجمة عن خبر جيد لشخص بالكاد أعرفه؟
لماذا يجب على أن أشعر بالأسى على خبر سيىء لأحدهم؟
أنا حقا أشعر بالفرح الشديد أو الأسى على الأشخاص الذين أعرف منهم فقط
أسمائهم.
ألا تكفينى كل الإثارة والدراما فى حياتى وحياة المحيطين بى؟
لماذا يجب على تحميل نفسى بأعباء أضافية لا طائل منها؟
كل ذلك حقا يستهلكنى.
منذ أقل من شهر فقدت أخت، لم أرغب فى مشاركة الخبر فى عالم أفتراضى،
الحدث كان أكثر خصوصية من مشاركته فى عالم أفتراضى.
"أقولها فقط لإثبات وجهة نظر"
من قال أن الكتابة تفضح يا لبنى؟!
فى مسوداتى جملة تلح على كثيرا "فضائحية البوح"
أعيد النظر مرارا فيها، وأعرف جيدا أنى سجين تلك المنطقة بين ما أرغب
فى قوله كأنا، وما ينتظرون سماعه من أنا الذى يعرفونه.
أحاول الوصول إلى منطقة الوسط تلك، أستخدم المواربات ولكن قدرى أن
أرتبط بالأشياء.
أرتبط بمدونتى الأولى وأضن على مدونتى الثانية العلنية بالنصوص إكراما
للأولى، وأفشل فى الاحتفاظ بمدونة سرية،
وأبقى معلق فى تلك المنطقة الوسط وعزائى أنى صادق فيما أكتب، فأنا لا
أكتب إلا ما أشعر به، قد أحذف منه ما أحتفظ به لنفسى ولكنى لا أغير الحقائق.
أنا فقط اكشف تفاصيل أقل ولا أكذب بخصوص ما أكشف.
-
هل من
السيئ أن يخبرك كل من حولك بأنك شخص صالح مثلاُ وأنت تعلم أنك لست مثالياً؟ هل
يجعلك هذا منافقاً؟
-
هل
البديل أن تعيش كما تفكر وتفعل كل ما يجول بخاطرك لتصبح شخصاً صادقاً ومع ذلك سيئ؟
-
هل
التفكير فى السوء يجعلك سيئاً بقدر من يفعل أشياء سيئة؟
تلك التساؤلات من رسالة بوح غير موقعة إلى رسائل لبنى.
تلك التساؤلات هى معضلتى التى لا أجد لها حل مرض.
أنت لست أنت الذى يعرفونه ومن الصعب أن تكون أثنين ولا جدوى من صنع
ثالث هو مزيج بينهما.
من يعرفك يجب أن يتقبلك كأنت الذى أنت عليه، لا يجب أن تكون هناك حلول
وسط.
المعضلة هو أننا عندما نصل لهذا الاستنتاج نكون قد قضينا بالفعل وقت
أطول ربما مما بقى لنا فى صنع صورة الأنا الذى يعرفونه والأحتفاظ بالأنا الذى نحن
عليه بعيد عنهم .... بعيد جدا كأبعد ما يمكن أن يكون.
"كونى لبنى بلا حلول وسط وليذهب من يذهب وليبقى من يبقى."
نصيحة من صديق افتراضي هو أحد الناجين من المذبحة الأخيرة، وربما لا
ينجو من أخرى تالية.