قرأت تدوينة شيماء مدونة قهوة بالفانيليا عن بيت جدها وأعجبتنى للغاية ووجدتنى أكتب القليل عن "بيت جدو"
بالنسبة لى لم يكن أبداً بيت جدو كان بيت جدتى أو "ستو" كما كنا نناديها رحمها الله.
أنا لم أرى لا جدى لأبى ولا جدى لأمى كلاهما توفى قبل مولدى.
وجدتى لأبى كانت رحمها الله كبيرة فى السن،
حتى أنها لم تكن تميزنا بدون أن يخبرها أحدهم أننا أولاد أحمد،
لذلك كانت جدتى لأمى هى الاكثر تأثيراً فى حياتى.
البيت نفسه كان يقع فى منطقة وسط البلد،
البيت الكبير على ناصية شارع عادلى أمام حديقة إبراهيم باشا.
عادة كنا ننتظر الاجازة بفارغ الصبر حتى نذهب لبيت جدتى.
أتذكر أنى كنت أنهى امتحاناتى سواء امتحانات منتصف العام أو أخره،
وأعود فى أخر يوم امتحاناتى لأجد جدتى بالبيت تنتظرنى لتأخذنى وأخوتى
لنقضى معها إجازتنا.
البيت ذو الحوائط العالية والشبابيك الكبيرة والرائحة المميزة.
سلالم البيت العتيقة "المخيفة"،
والدرابزين المشغول من الحديد الأسود والخشب
والاسانسير المعطل دائماً وأبداً والمناور الكبيرة.
القطة التى كانت تكرهنا وكأننا نأتى لنسطو على منزلها ونحرمها حصتها من التدليل.
البونبون فى العلب الصاج المستديرة بالبوفية. والسكر المكعبات.
رائحة محل الكبدة والسجق التى تصلنا من المحل بأسفل المنزل رغم أن جدتى تسكن بالدور الثالث،
مع خلفية من أصوات صفع أقراص الطاولة ووحدات الدومينو،
مع ضحكات مرتادى المقهى وصياحهم كطقس من طقوس اللعب.
رائحة السمن والحلوى من معرض الحلويات الشامية بالقرب من ممر الكونتينينتال.
رائحة الندى والعشب الأخضر من حديقة إبراهيم باشا والأزبكيه فى الخامسة صباحاً ،
مع هديل الحمام وأصوات العصافير،
وصوت سيارة رش المياه تنظف الشارع وصوت كلاكسات السيارات.
شاشة نادى السلاح التى تعرض "توم وجيرى" ونذهب أنا وأخى لمشاهدتها.
مشاغباتنا مع حارس الحديقة لمحاولته منعنا من تسلق التمثال أو اللعب بالماء فى النوافير التى لم تعد موجودة.
إعتادت جدتى رحمها الله تدليلنا حد الإفساد.
وأمى التى عانت الأمرين فى ترتيب نظام حياتنا من جديد،
وإعادتنا لوضع الانضباط بعد إنتهاء الاجازة.
الحمام المحشى التى تعده جدتى من الحمام الذى تقوم بتربيته،
كل طعام جدتى ذو نكهة مختلفة
حتى البطاطس المحمرة او البيض المقلى مذاقه مختلف تماماً.
رائحة شاى العصارى والكعكة التى تخبزها جدتى وتتركها لتبرد فى نملية المطبخ ذات الباب الشبك.
جيران جدتى.
أم مصطفى التى كانت ترحب بنا بالبونبون أو البسكوت بالسمسم،
فإن لم تجد تصر على أن تطعمنا قطعة من الحلاوة الطحينية أو السكر
فعندما تزورها "لازم تحلى بقك".
حازم الذى كان يكبرنا بأعوام كثيرة ويمارس تمارين كمال الأجسام،
ويصيح فينا كلما هممنا باللعب لأننا مزعجين فنختبئ أنا وأخى ونضربه بالاستك بقطع الورق الصغيرة،
وعندما يكتشفنا يجرى خلفنا، فنسرع للمنزل ونشتكى لجدتى التى تدافع عنا.
هيثم حفيد أم مصطفى الذى تشاجر أخى معه لأنه أكل كل حبات الزبيب
من طبق الأرز باللبن ولم يترك لنا شيئاً منها.
خالد الذى أتهمناه بكسر بيضه الدجاجة وبكى يومها ونحن نغنى له "خلوده اللى كسر البيضه".
ام جورجى التى لم أراها ولكن سمعت كثيراً عنها
ورأيت أبنها تاكى ذات مرة أثناء زيارته لبيتهم القديم،
وتناوله القهوة فى بيت جدتى.
وشقتهم التى كانت الأجمل والأكثر رحابة ولكنها ظلت مغلقة لفترة طويلة بعد سفرهم لليونان.
الجدى الذى تشتريه جدتى أو أحد الجيران قبل العيد بفتره،
ويسكن السطوح أو التعريشة أمام منزل أبو رجب،
والذى أعتاد مضايقتنا والجرى ورائنا للحصول على الحلوى من ايدينا وعادة كنا نرميها ونبتعد مسرعين.
أذكر ذات مرة أنى وأخى كسرنا أصيص الزرع أثناء اللعب،
وحتى لا ينكشف امرنا أحضرنا الجدى للتعريشه بجانب الاصيص المكسور وأغلقنا عليه الباب.
ما بين ذكريات جدران المنزل التى لم تعد موجودة
وذكريات تدليل جدتى "رحمها الله" أعيش أجمل "نوستاليجا"
بكل ما يحمله الماضى من روائح وأصوات وطعوم وملامس وألوان.
ليتنا نعود صغاراً فى بيت جدتى.